30 يونيو 2009

كثير من الشفقة


كثير من الشفقة
داعبت نسمات الليل الشقية فستانها الحريري..ثم حلقت لتداعب خصلات من شعرها الأسود..وطئت النسمات على كتاب كان بين يديها حاولت أن تغازل صفحاته..وعندما أمسكت ليلى بصفحاته انسحبت نسمات الليل بخجل ..كانت ليلى في العشرين من العمر.. قمحية اللون.. ليلية الشعر.. خجولة الطرف كنسمات ليل شقية..كانت رموشها تتعانق مع سحب السماء فتثير في النفس فزعاً لجمال هاتين العينين الليليتين..جلست على الكرسي وبدت ملاكاً بثوب حريري..

- وقف عبدالرحمن على مسافة ليست ببعيدة عن ليلى وقد صرع لشدة الجمال الذي رآه.. سبقته خطاه الى أن وصل الى الفتاة الجالسة على الكرسي.

- ليلى اشتقت اليك كثيراً وهـاقد عدت اليك اخيراً بعد أن أصبحت محـامـياً عظيـماً.
صعق قلب ليلى ورقصت عيناها عندما أمعنت النظر وعرفت من هو صاحب هذا الصوت..
-( همست: )طال غيابك عني انها خمس سنوات..عدت متأخراً .. تأخرت كثيراً..
- قالت ليلى كلماتها وقد اختلطت ببكاء قطعته ضحكات..لا تقولي لي انك نسيتني.. او تزوجت من غيري.. (ردد بثقة وكأنه يحفظ الاجابة)

- لا حبيبي لم ولن أنساك ثم لم ولن أتزوج غيرك.اذا ,تعالي.. تعالي نجمع هذه السماء بين كفينا.. نركب أمواج البحر..نهمس لكل حبة رمل عن حبنا.. نحكي لكل صدفة في البحر حكاية حبنا..لنحطم المستحيل.. ثم نطير..تعالي وردي لي الفرحة التي لطالما فارقتني وأنت بعيدة عني..

- أمسك عبدالرحمن يدي ليلى وسحبها بقوة وهو يضحك تعالي يا كسولة..وفجأة توقفت عيناه عندما شد انتباهه الكرسي الذي كانت ليلى قد امتطت صهوته..زاد من قوة سحبه لها ,وعندما أدرك بأن كل قوة على الارض البشرية.. لن تتمكن من تحريك قدمي ليلى توقف عن الشد..

- ثم قال من غير أن يدرك ماذا يقول: ليلى قولي لي ماذا حدث لك..- تأخرت كثيراً.. تأخرت كثيراً..(صرخت)

- مضت عليهما بعد ذلك بضع دقائق .. مرت بصمت مخيف كصمت الموت البارد..قطع الصمت الطويل صوت بكاء ليلى..(سامحني.. لم أستطع أن أحافظ على عهدنا..لن أستطيع أن أركض خلفك من جديد.. لم أكن أعني لك الكثير وأنا أمشي فكيف هو الحال وأنا !!!)

- سيطر الصمت من جديد.. ولم يُقطع الصمت الا من قبل أصوات أقدام عبدالرحمن وهي تدق رمال الشاطئ راحلة ثم مبتعدة..صرخت ليلى عبدالرحمن الى اين ؟؟.. عندها التفت عبدالرحمن وقد امتلأت عيناه بالكثير من الشفقة..اتمنى لك الصحة الدائمة يا ليلى ,وبسرعة رحل..

- نظرت ليلى الى الكتاب لا يزال بين يديها.. كتبت عليه بضع كلمات..

*لم تدرك ليلى أن سواد الليل كان قد غزا زرقة السماء وكسا أمواج البحر بثوب الحداد نظرت من جديد الى الكتاب لا يزال بين يديها.شعرت بقوة هائلة تتملكها.. رمت بالكتاب على الرمال.. استغلت قوة يديها وأعلى جسدها لتحط بجسدها على الرمال بجانب عجلات الكرسي..وأخذت تزحف وتزحف تاركة رمال البحر مجروحة خلفها..زادت قوتها عندما لامست يديها مياه البحر الباردة وأخذت تزحف وتزحف وتزحف..تزحف فتحتضنها امواج البحر المنسية.. ثم تزحف.. وتزحف.بعد دقيقة واحدة.. لملمت الامواج جروح رمال البحر التي كانت ليلى قد تركتها خلفها فكانت ليلى قصيدة منسية..احتار بعض المارة في صباح اليوم التالي

ترى من نسي على الشاطئ كرسياً بعجلات وكتاباً كتب عليه ( كثير من الشفقة.)

اقرأ المزيد »

26 يونيو 2009

بائعة الحنة...!

بائعة الحناء حناء... حناء جئت اليوم ابيع الحناء للنساء والبنات العذارى والمتزوج اتابيع كل ماهو جميل احلام كلام بقايا أوهامأبيع الحناء أنا, للفرح وللأعياد ,قربوا يابنات, قربوا يابنات على صوت أم مفرح في سوق النساء الشعبي ,على صوت دعواتها للشراء ,بصوتها الأجش العميق كانت قد لبست قفازا مجعدا ً خشناً على يديها او.. لحظة ... لعل القفاز هو جلد يديها ...غريبة هي ... لما لاتستخدم مرطباً لهذا الجلد المريض ...غطى نقاب ام مفرح وجهها الضاحك...وتحت نقابها وفوق جلد وجهها سكن ألف ألف سرٍ دفين ... هي في الخمسين من عمرها او الستين ... أو السبعين ... لايهم المهم أنها هي بائعة الحناء في السوق الشعبي تبيع الحناء.. للفرح .. وبنقود ماتبيع تشتري مايجعلها تعيش ... هي معادلة صعبة هل تساوي بضع ريــالات سعر انسان وهل وتساوي حياة لكن المعادلة المستحيلة عند ام مفرح متعادلة الطرفين ...نقود ماتبيع من حناء هي لسداد ايجار بيت الطين ... ولسداد فواتير( الكهرب والماء) وشراء ما تسميه هي (حب السكر اللعين) ... (حبوب الضغط) ... السكر ...وألف اه من الضغط ... فالولد تخرج ولم يلقى وظيفة ... والبنتين مالهم لابزواج ولا بدراسة ...نوف على الكرسي ... ونورا تساعد أختها...واللحمد لله البسطة موجودة والحناء موجودة ... وماحد ميت جوع ...

*أطلقت أم مفرح العنان لصوتها من جديد حناء ..حناء عندما انتصف الظهر وارتفع صوت الاذان (الله أكبر. الله أكبر)


وبدأت أشعة الشمس تغزو بسطة ام مفرح و تصبح أكثر توحش ... لتضرب رأس أم مفرح بلا رحمة ... أو هوادة ... معلنة انها الأقوى والأشد والأعنف ...


وعندما أخذت أم مفرح تستعد للنهوض ثم الوضوء والصلاة ...باهتها صوت عالي رجولي لم تعتد أن يباهتها من قبل فأذنها اعتادت سماع اصوات النساء ...رفعت راسها ببطئ بطيئ لتعرف من هو الداعي ...


فهاجمت أشعة الشمس عيناها المجهدة ...حاجبة عنها معرفة هوية المنادي ....


من انت ؟. ليش متشوفين ... متعرفين انك مخالفة هنا ... خربتي المنظر الحضاري للمدينة بصوتك وشكلك...


يلى من هنا !.وين أروح؟.معرف ... شيلي اغراضك ... يلى ... على وجه السرعة ... !. وين اروح؟. مو شغلي ... والله انت والي زيك ماتستحون ... وين أهلك ... وين زوجك ... وين عيالك! .. يلى!. وين اروح ؟


*على الغضب رأس الموظف ووصل منه ماوصل ...شمس حارقة على رأسه ... (والرجل لسه بعد مافطر) الشهر بااخره ... والزوجة عند أهلها ... أقساط السيارة والمدرسة ...فأمسك بأكياس الحناء ... ورصيف الشارع القديم بها ... حناء !!


وسحب البساط الذي افترشته ام مفرح ... وبعيد رماه ...ثم هرب مسرعاً الى سيارته كأنه رأى ملك الموت متجسدا في تلك اللحظة أمامهركب سيارته ... ورحل.

طبعا ً ام مفرح لم ترى وجه الموظف العصبي الجائع ... ولم تعرف اسمه !


جلست على الأرض مكان ماكان من بسطة الحناء ...خدها على يدها ذات القفاز المجعد الخشن ...


تملئ عيناها حتى الشبع من مابقي من الحناء ... تتذكر وجه أبو العيال ...


هو الان يسكن تحت التراب كرسي نوف (خربان يبغى له تصليح ) عيون نورا التي تستقبلها كل يوم ...انتظار مفرح للوظيفة ...


الطويل الطويل



اقرأ المزيد »

25 يونيو 2009

قبل أن تروح الروح ... !


هربت الافكار والمبادئ عن مخيلته ...وهربت الدنيا والذكريات وبريق الاحلام والامال... التي لطالما لهث راكضا ورائها
سهر ليله وربطه بنهاره ليحققها... اقتنع هو اليوم انه موجود ليصنع وابدا لايصنع... هو مسلوب ولم يكن في يوم سالب...تلاشت الخطوط العريضة عن سماء حياته وهربت فزعة... او انه هو من طردها مع زحمة دموعه واحزانه...وكل ماتبقى له من حطب الدنيا هو هذا الحبل.. الذي هو بيده... ابن اللحظة بات هو الان...ينفذ اوامرها ويطيع دهائها الشيطاني...وينفذ تعليماتها بادق التفاصيل...

امسك طرف حبل حياته بيد... والطرف الاخر باليد الاخرى... سحبه بطلنا وكانه يختبره...هل هو قوي فعلا ام هو كشخصية بطلنا رفيع مهزوز...
وحتى يتاكد من جودة الحبل صنع منه بطلنا ربطة عنق.. من طرف..ولف الطرف في الجهة الثانية حول مقدمة جسر معلق..وعلى حافة الجسر المعلق اخر اماله علق..ولانه بلا هوية بات الان وليد اللحظة... قرر فجاة ان يستخرج اهم واخر شهادة في حياته ليضمها الى كل شهاداته... شهادة الميلاد... التطعيم... الثانوية... البكالريوس... حسن السيرة والسلوك...ولكن هل هو فعلا حسن السيرة او حتى السلوك

تجمعت فوق ظهره هموم رحلته... هواياته المقتولة... انطباعاته المسروقة...حبه الممنوع... وكيف لايكون ممنوع... فهو وليد اللحظة... بلا اصل وحسب ونسب... وحبيبته ويال العجب تملك اعظم شهادة امتياز... فهي فلانة بنت فلان...من قبيلة فلان...

استجمع قواه المهدورة والقى عن كاهله كل عبئ اوحمل غبي كان يوما يحمله وبكل بساطة اخذ نفسا عميق ... عميق جدا...واخيرا...اغمض عيناه لانه اعتقد انه لن يحتاجها بعد الان... واكيد لانه فعلا جبان... وبكل بساطة... اقترب خطوة الى الامام... ليدرك فعلا ان لاارض الان تحت اقدامه وفوقه لايوجد سوى سماء... هو حر الان في الفضاء وهو فعلا وليد لحظته الشيطانية...
اشتدت ربطة العنق حول عنقه وبدات اكثر مؤلمة واخذت تسحب الروح عن جسده... ارتدت الى مخيلته صورة من كانت في يوم حبيبته..وجه الموظف المشغول دائماوقد تجعدت ملامحه غضبا... وارتدت الى اذنه المزرقه الان صدى كلماته..الموظف الشائط...
لانحتاج موظفين جدد... تذكرعجلة زرقاء صغيرة اعتاد ان يركبها ويطير عندما كان في يوم طفلا صغيرا... هاجمت مسمعه وبلا استئذان ...كلمات من القران الكريم حفظها منذ زمن بعيد (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً )...... (وَلآ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)
ثم راى كتاب القراءة في صف الاول الابتدائي ...وبدون اسئذان عادت من جديد...كلمات كانت موجودة في ذكراه منذ الازل اقرا... اقرا... اقرا... (ان الله مع الصابرين.....)( اذا صبرو..) ..
طارت الكلمات بسرعة واصطدمت ببعضها البعض ثم تجسدت امام عينه صورة امراة يخرج النور من وجهها ضاحكة متبسمة وعندما جمع كل قوته الراحلة عنه ...عرف انها صورة امه... وانه لم يكن قط وليد اللحظة وانما كان قتيل اللحظة.


اقرأ المزيد »